سورة الزخرف - تفسير تفسير ابن عجيبة

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (الزخرف)


        


يقول الحق جّل جلاله: {فاستمسكْ} أي: تمسّك {بالذي أُوحِيَ إِليك} من الآيات والشرائع، واعمل بذلك، سواء عجلنا لك الموعد أو أخرناه، {إِنك على صراطٍ مستقيم}؛ على دين قَيم لا عوجَ فيه، وهو تعليل للأمر بالاستمساك. {وإِنه} أي: ما أُوحي إليك {لَذِكرّ}؛ لشرف عظيم {لك ولقومك}؛ ولأمتك، أو: لقومك من قريش، فما زال العز فيهم، والشرف لهم، من زمانه صلى الله عليه وسلم إلى قرب الساعة. قال صلى الله عليه وسلم: «لا يزال هذا الشأن في قريش ما بقيّ منه اثنان» وفي رواية: «لا يزال هذا الأمر في قريش، لا يُعاديهم أحد إلا كُبّ على وجهه بمكة، ويعدهم الظهور، فإذا قالوا: لِمن الملك بعدك؟ أسمك فلم يجبهم، حتى نزلت: {وإنه لذكر لك ولقومك} فكان بعد ذلك إذا سئل قال: لقريش» فلا يُجيبونه، فقبلته الأنصار على ذلك.
أو: وإنه لموعظة لك ولأمتك بأجمعها. {وسوف تسألون} يوم القيامة عن شكركم هذه النعمة، أو: عما أوحي إليه، وعن قيامكم بحقوقه، وعن تعظيمكم له.
{واسْأَلْ من أرسلنا مِن قبلك مِن رسلنا أجعلنا من دون الله آلهةً يُعبدون}، فليس المراد سؤال الرسل حقيقة، ولكنه مجاز عن النظر في أديانهم والفحص عن مِللهم، هل جاءت عبادة الأوثان قط في ملة من ملل الأنبياء؟ وكفاه نظراً وفحصاً نظره في كتاب الله المعجز، المصدق لما بين يديه. وإخبارُ الله فيه بأنهم إنما يعبدون من دون الله ما لم يُنزل به سلطاناً. وهذه الآيةُ في نفسها كافية، لا حاجة إلى غيرها.
وقيل إنه صلى الله عليه وسلم جُمع له الأنبياء- عليهم السلام- وقيل له: سلهم، وهو ضعيف. وقيل معناه: سل أمم مَن أرسلنا، وهم أهل الكتابين: التوراة والإنجيل، وإنما يخبرونه عن كتب الرسل، فإذا سألهم فأكنما سأل الأنبياء، ومعنى هذا السؤال: التنبيه على بطلان عبادة الأوثان، والاستشهاد بإجماع الأنبياء على التوحيد، وأنه ليس ببدع ابتدعه حتى ينكر ويعادي: وقيل: الخطاب له، والمراد غيره ممن يرتاب. والله تعالى أعلم.
الإشارة: الاستمساك بالوحي كان حاصلاً له صلى الله عليه وسلم، وإنما المراد الثبوت على ما هو حاصل، والاسترشاد إلى ما ليس بحاصل، فالمراد الترقي في زيادة العلم، والكشف إلى غير نهاية، كقوله: {اهدنا الصراط المستقيم}، فالترقي لا ينقطع لمَن تمسك بالوحي التمسُّك الحقيقي، بحيث كُشِف له عن غوامض أسرار القرآن، وزال الحجاب بينه وبين الله تعالى، فهو دائماً في زيادة العلم والكشف، إلى ما لا نهاية له. وهذا هو الشرف العظيم في الدارين. فمَن لم يشكره سُئل عنه، أو سُلب منه في الدنيا. ثم إن التوحيد في الذات والصفات والأفعال مما أجمعت عليه الملل، وكل داعٍ إنما يدعو إليه، وكل شيخ مربي إنما يُوصل إليه، ومَن لم يُوصل إليه أصحابه فهو دجّال. وبالله التوفيق.


يقول الحق جلّ جلاله: {ولقد أرسلنا موسى بآياتنا} أي: متلبساً بآياتنا {إِلى فرعون وملَئِه فقال إِني رسولُ رب العالمين} فأجابوه بقولهم: {فأتنا بآية إن كنت من الصادقين} كما صرّح به في آية أخرى. {فلما جاءهم بآياتنا إِذا هم منها يضحكون}؛ يسخرون منها، ويهزؤون، ويسمُّونها سحراً. و {إذا} للمفاجأة، وهو جواب لمّا، لأن فعل المفاجأة معها مقدّر، وهو العامل في {إذا}، أي: لما جاءهم فاجؤوا وقت ضحكهم منها، أي: استهزؤوا بها أول ما رأوها، ولم يتأملوا فيها.
{وما نُرِيهم من آيةٍ} من الآيات {إِلا هي أكْبرُ من أُختها}؛ قرينتها، وصاحبتها التي كانت قبلها، أي: ما ظهر لهم آية إلا وهي بالغة أقصى مراتب الإعجاز، بحيث يجزم كل مَن ينظر إليها أنها أكبر من كل ما يُقاس بها من الآيات. والمراد: وصف الكل بغاية الكِبرَ من غير ملاحظة قصور في شيء منها، قال النسفي: وظاهر النظم يدلّ على أن اللاحقة أعظم من السابقة، وليس كذلك، بل المراد بهذا الكلام: أنهن موصوفات بالكبر، كما يقال: هما أخوان، كلّ منهما أكبر من الآخر. اهـ. وقال في الانتصاف: الظاهر: أن كل آية إذا أُفردت استغرقت الفكر وبهرته، حتى يجزم أنها النهاية، وأنَّ كل آية دونها، فإذا نقل الفكر إلى الأخرى كانت كذلك. وحاصله: أنه لا يقدر الفكر أن يجمع بين آيتين، لتتميز الفاضلة من المفضولة. اهـ.
{وأخذناهم بالعذاب} وهو ما قال تعالى: {وَلَقَدْ أَخَذْنَآ ءَالَ فِرْعَوْنَ بِالسِّنِينَ وَنَقْصٍ مِّنَ الثَّمَرَاتِ} [الأعراف: 130]، {فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ الطُّوفَانَ...} [الأعراف: 133] الآية. {لعلهم يرجعون}؛ لكي يرجعوا عما هم عليه من الضلال.
{وقالوا يا أيُّه الساحِرُ}، كانوا يقولون للعالِم: إنما هو ساحر؛ لتعظيمهم علم السحر، أو: نادوه بذلك في مثل تلك الحالة لغاية عتوهم ونهاية حماقتهم وقرأ الشامي بضم الهاء، لاتباع حركة ما قبلها حين سقطت الألف، {ادْعُ لنا ربك} يكشف عنا العذاب {بما عَهِدَ عندك} أي: لعهده عندك بأن دعوتك مستجابة، أو: بما عهد عندك من النبوة والجاه، أو: بما عهد من كشف العذاب عمن اهتدى، {إِننا لمهتدون}؛ مؤمنون أن كشف عنا بدعوتك، كقوله: {لَئِن كَشَفْتَ عَنَّا الرِّجْزَ لَنُؤْمِنَنَّ لَكَ} [الأعراف: 134]، {فلما كشفنا عنهم العذاب} بدعوته {إِذا هم يَنكُثُون}؛ ينقضون العهد، أي: فاجؤوا وقت نكث عهدهم بالاهتداء. وقد مرَّ تمامه في الأعراف.
الإشارة: قد ظهرت الآيات على الأنبياء والرسل، فلم ينتفع بها إلا مَن سبقت له العناية، وكذلك ظهرت الكرامات على أيدي الأولياء الداعين إلى الله، فلم ينتفع بها إلا مَن سبق له التقريب والاصطفاء. على أن الصادق في الطلب لا يحتاج إلى ظهور كرامة، بل إذا أراد الله أن يوصله إليه وصله إلى وَليّ من أوليائه، فطوى عنه وجود بشريته، وأشهده سر خصوصيته، فخصع له من غير توقف على كرامة ولا آية. وأما مَن لم يسبق له التقريب؛ إذا رأى ألف آية ضحك منها واستهزأ، ورماها بالسحر والشعوذة، والعياذ بالله من البُعد والطرد.


يقول الحق جلّ جلاله: {ونادى فرعونُ}، إما بنفسه، أو: أمر مَن ينادي، كقولك: قطع الأميرُ اللصّ. والظاهر أنه نادى بنفسه، {في قومه}؛ في مجمعهم وفيما بينهم، بعد أن كشف العذاب عنهم، مخافة أن يؤمنوا، {قال يا قوم أليس لي مُلكُ مِصرَ وهذه الأنهارُ}؛ أنهار النيل، ومعظمها أربعة: نهر الملك، ونهر طولون، ونهر دمياط، ونهر تييس، {تجري من تحتي}؛ تحت سريري؛ لارتفاعه، أو: بين يدي في جناتي وبساتيني.
قال عمرو بن العاص رضي الله عنه: نيل مصر سيد الأنهار، سخّر الله له كل نهر بين المشرق والمغرب، فإذا أراد الله أن يجريه أمر الأنهار فأمدته بمائها، وفجّر له كل نهر عيوناً، فإذا انتهت جريته إلى ما أراد الله سبحانه أوحى إلى كل ماء أن يرجع إلى عنصره. قاله في الاكتفاء. ومهبطه من جبل القمر، وقيل: أصله من الجنة، والله تعالى أعلم. وحدُّ مصر: من بحر الإسكندرية إلى أسوان، بطول النيل. والأنهار المذكورة هي الخلجان الكبار، الخارجة من النيل.
وعن عبد الله بن طاهر: أنه لما ولي مصر خرج إليها، فلما شارفها، قال: أهي القرية التي افتخر بها فرعون، حتى قال: {أليس لي ملك مصر}؟ والله لهي أقلّ عندي من أن أدخلها، فثنى عنانه. وعن هارون الرشيد: أنه لما قرأها، قال: والله لأولينّها أخسَّ عبيدي، فولاها الخُصَيْب، وكان خادم وُضوئه.
{وهذه الأنهارُ}: إما عطف على {ملك مصر}، ف {تجري}: حال منها، أو: واو الحال، ف {هذه} مبتدأ، و {الأنهار}: صفتها و {تجري}: خبر، {أفلا تُبصرون} قوتي وسلطاني، مع ضعف موسى وقلة أتباعه. أراد بذلك استعظام ملكه وترغيب الناس في اتباعه.
ثم قال: {أم أنا خير} مع هذه المملكة والبسْطة {مِن هذا الذي هو مَهينٌ} أي: ضعيف حقير، من: المهانة، وهي القلة. {ولا يكاد يُبينُ} الكلام لما به من اللثة. قاله افتراء عليه عليه السلام، وتنقيصاً له في أعين الناس، باعتبار ما كان في لسانه عليه السلام. وقد كانت ذهبت عنه، لقوله تعالى: {قَالَ قَدْ أُوتِيتَ سُوؤْلَكَ يَا مُوسَى} [طه: 36]. والهمزة للتقرير، كأنه قال إثر ما عدّد من أسباب فضله، ومبادئ خيريته: أثبت عندكم واستقر لديكم أني أنا خير، وهذه حال، مِن هذا. وإما متصلة، والمعنى: أفلا تبصرون أم تبصرون؟ فوضع قوله: {أما أنا خير} موضع {تُبصرون}؛ لأنهم إذا قالوا: أنت خير؛ فهم عنده بُصَراء. وهذا من باب تنزيل السبب منزلة المسبب. انظر أبا المسعود.
{فلولا أُلْقِيَ عليه أسَاوره من ذهب} أي: فهلاَّ أُلقي عليه مقاليد الملك إن كان صادقاً، لأنهم كانوا إذا سوّدوا رجلاً سوّروه بسوار، وطوّقوه بطوق من ذهب.
{أو جاء معه الملائكةُ مقترنين}؛ مقرونين يمشون معه، مقترن بعضهم ببعض، ليكونوا أعضاده وأنصاره، أو: ليشهدوا له بالنبوة؟ {فاستخف قومَهُ} أي: فاستفزهم، وطلب منهم الخفة والسرعة في مطاوعته. أو: فاستخف أحلامهم واستزلهم، {فأطاعوه} فيما أمرهم به {إِنهم كانوا قوماً فاسقين}، خارجين عن الدين، فلذلك سارعوا إلى طاعته.
{فلما آسَفُونا}؛ أغضبونا أشد الغضب، منقول من: أَسف: إذ اشتد غضبه، {انتقمنا منهم فأغرقناهم أجمعين}، والمعنى: أنهم أفرطوا في المعاصي فاستوجبوا أن نُعجِّل لهم العذاب، وألا نحلُم عليهم. {فجعلناهم سَلَفاً}؛ قدوة لمَن بعدهم من الكفار، يسلكون مسلكهم في استيجاب مثل ما حلّ بهم من العذاب، فكل مَن تفرعن وتجبّر ففرعون إمامه وقدوته. أو: جعلناهم متقدمين في الهلاك، ليتعظ بهم مَن بعدهم إلى يوم القيامة. والسلف: جمع سالف، وهو الفارط المتقدم، {ومثلاً للآخِرين} أي: عظةً لهم، أو: قصة عجيبة، تسير مسير الأمثال، فيقال: مثلكم كقوم فرعون، كما قال تعالى: {كَدَأْبِ ءَالِ فِرْعَوْنَ} [آل عمران: 11]. وهاهنا قراءات، قد وجَهناها في كتاب مستقل.
الإشارة: عاقبة التكبُّر والافتخار الذُّل والهوان والدمار، وعاقبة التواضع والانكسار العزُّ والنصرة، انظر إلى فرعون لما تعزّز واستكبر هلك مع قومه في لُجة البحار. قال القشيري: ليعلم أن مَن تعزّز بشيء دون الله فهلاكه وحتْفه فيه، وفرعون لمَّا استصغر موسى وحديثه، وعابَه بالفقر، سلَّطه الله عليه، فكان هلاكه بيده، وما استصغر أحدٌ أحداً إلا سُلط عليه. ثم قال في قوله تعالى: {فاستخف قومه فأطاعوه}: طاعةٌ الرهبة لا تكون مخلصةً، وإنما تكون الطاعةُ صادقةً إذا صَدَرَتْ عن الرغبة، {فلما آسفونا}؛ أغضبونا، وإنما أراد: أغضبوا أولياءنا، وهذا أصل في باب الجمع، أضاف إغضابهم أولياءه إلى نفسه. وفي الخبر أنه تعالى يقول: «مرضت فلم تعدني» وقال لإبراهيم عليه السلام: {يَأْتُوكَ رِجَالاً} [الحج: 27] وقال لنبينا صلى الله عليه وسلم: {مَّن يُطِع الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ} [النساء: 80]. اهـ.

1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6